سورة سبأ - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)}
وقرئ: {معجزين}. فأليم: بالرفع والجرّ، وعن قتادة: الرجز: سوء العذاب. ويرى في موضع الرفع، أي: ويعلم أولو العلم، يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يطأ أعقابهم من أمّته. أو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا مثل كعب والأحبار وعبد الله ابن سلام رضي الله عنهما. {الذى أُنزِلَ إِلَيْكَ.... الحق} هما مفعولان ليرى، وهو فصل من قرأ {الحق} بالرفع: جعله مبتدأ و{الحق} خبراً، والجملة في موضع المفعول الثاني. وقيل: {ويرى} في موضع النصب معطوف على {لِيَجْزِىَ} أي: وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق. علماً لا يزاد عليه في الإيقان، ويحتجوا به على الذين كذبوا وتولوا. ويجوز أن يريد: وليعلم من لم يؤمن من الأحبار أنه هو الحق فيزدادوا حسرة وغماً.


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)}
{الذين كَفَرُواْ} قريش. قال بعضهم لبعض: {هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ} يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم: يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب: أنكم تبعثون وتنشئون خلقاً جديداً بعد أن تكونوا رفاتاً وتراباً ويمزق أجسادكم البلى كل ممزق، أي: يفرقكم ويبدد أجزاءكم كل تبديد. أهو مفتر على الله كذباً فيما ينسب إليه من ذلك؟ أم به جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه؟ ثم قال سبحانه ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء، وهو مبرأ منهما؛ بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث: واقعون في عذاب النار فيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق وهم غافلون عن ذلك، وذلك أجنّ الجنون وأشدّه إطباقاً على عقولهم: جعل وقوعهم في العذاب رسيلاً لوقوعهم في الضلال، كأنهما كائنان في وقت واحد: لأنّ الضلال لما كان العذاب من لوازمه وموجباته: جعلا كأنهما في الحقيقة مقترنان.
وقرأ زيد بن عليّ رضي الله عنه: ينبيكم.
فإن قلت: فقد جعلت الممزق مصدراً، كبيت الكتاب:
أَلَمْ تَعْلَمْ مُسَرَّحِي الْقَوَافِي *** فَلاَعِيّاً بِهِنَّ وَلاَ اجْتِلاَبَاً
فهل يجوز أن يكون مكاناً؟ قلت: نعم. ومعناه ما حصل من الأموات في بطون الطير والسباع، وما مرّت به السيول فذهبت به كل مذهب، وما سفته الرياح فطرحته كل مطرح.
فإن قلت: ما العامل في إذا؟ قلت: ما دلّ عليه {إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} وقد سبق نظيره.
فإن قلت: الجديد فعيل بمعنى فاعل أم مفعول؟ قلت: هو عند البصريين بمعنى فاعل، تقول: جد فهو جديد، كحدّ فهو حديد، وقلّ فهو قليل. وعند الكوفيين بمعنى: مفعول، من جدّه إذا قطعه. وقالوا: هو الذي جده الناسج الساعة في الثوب؛ ثم شاع. ويقولون: ولهذا قالوا ملحفة جديد، وهي عند البصريين كقوله تعالى: {إن رحمة الله قريب} [الأعراف: 56] ونحو ذلك.
فإن قلت: لم أسقطت الهمزة في قوله {افترى} دون قوله: {السحر}، وكلتاهما همزة وصل؟ قلت: القياس الطرح، ولكون أمراً اضطرّهم إلى ترك إسقاطها في نحو {السحر} وهو خوف التباس الاستفهام بالخبر، لكون همزة الوصل مفتوحة كهمزة الاستفهام.
فإن قلت: ما معنى وصف الضلال بالبعد؟ قلت: هو من الإسناد المجازي؛ لأنّ البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادّة، وكلما ازداد عنها بعداً كان أضلّ.
فإن قلت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهوراً علماً في قريش، وكان إنباؤه بالبعث شائعاً عندهم، فما معنى قوله: {هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبّئُكُمْ} فنكروه لهم، وعرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدلّ على مجهول في أمر مجهول.
قلت: كانوا يقصدون بذلك الطنز والسخرية، فأخرجوه مخرج التحلي ببعض الأحاجي التي يتحاجى بها للضحك والتلهي متجاهلين به وبأمره.


{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)} يريد أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض، وأنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم، لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وأن يخرجوا عما هم فيه من ملكوت الله عزّ وجلّ، ولم يخافوا أن يخسف الله بهم أو يسقط عليهم كسفاً، لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة {إِنَّ فِي ذَلِكَ} النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما وما يدلاّن عليه من قدرة الله {لأيَةً} ودلالة {لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} وهو الراجع إلى ربه المطيع له؛ لأنّ المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله، على أنه قادر على كل شيء من البعث ومن عقاب من يكفر به. قرئ: {يشأ ويخسف ويسقط}: بالياء؛ لقوله تعالى: {افترى عَلَى الله كَذِبًا} [الأنعام: 93] وبالنون لقوله: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا} وكسفاً: بفتح السين وسكونه.
وقرأ الكسائي: {يخسف بهم} بالإدغام وليست بقوية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8